الثلاثاء، 27 مايو 2008

تعريب وتكريد يؤججان نار مدينة النفط




تعريب وتكريد يؤججان نار مدينة النفط




لؤلؤة أفقدت عقد الإستقلالية الكردية رونقه، قطبة مخفية قضّت مضجع السياسة العراقية، جدل بيزنطي لم يهدأ يوماً إلا ليشتعل من جديد حول هوية مدينة شاء القدر أن تتربّع في شمال العراق، فحضنت موزاييك القوميات ومنابع النفط، وحلم بها أبناؤها الأكراد عاصمةً لإقليمهم الذي يتوق الى الحكم الذاتي.

رياح التقسيم

منازل خلت من أهلها، طرقات هجرها مشاتها، دموع في عيون أولاد لا يعرفوا نعمة النوم أو الطفولة في بلد إشتاق لسلام يعمّ أراضيه لينهض من المآزق التي أوقعهها الدهر فيها. عراق سئم من التفجيرات والقتل وتاق الى وحدة ترابه، غير أنّ رياح التقسيم أبت إلا أن تعصف في كيانه الضعيف، قتلاحقت الخطب النارية وتكثّفت التناقضات، وطفت خلافات أزلية على الساحة العراقية من جديد منذرة بإندلاع حرب أهلية بين قوميات تتمسك بأرضها وأخرى تسعى الى الإنفصال. والضحية، كركوك، مدينة النفط والثروات التي تشهد اليوم صراعاً لم تشهد له مثيل بين الأعراق المشكلّة لكيانها من عرب وأكراد وتركمان.

هيمنة مطلقة

عمّال البناء يشيدون المنازل الجديدة، العائلات تتوافد الى المدينة المحصّنة، ضجيج وحياة في شوارع كركوك عكس الهمود المتفشّي في شوارع بغداد. أجواء متفاءلة تنغصّها من وقت الى آخر إنفجار سيارة مفخّخة تودي بحياة عناصر من الشرطة أو مدنيين أبرياء، غير أنّ المشهد سرعان ما يتغيّر عندما يلوح الخوف في عيون الكركوكيين من مستقبل غامض تحمله الايام المقبلة لمدينتهم بعد الإستفتاء الذي سينظّم ليختاروا مصيرها بين الإنضمام الى منطقة الحكم الذاتي الكردي أو البقاء في كنف دولة العراق.

تهجير كردي

صدّام حسين في قصره، إتفاقية آذار 1970 التي أعطت للأكراد حكماً ذاتياً مع تقديم ضمانات لهم بالمشاركة في الحكومة العراقية تطبخ على نار هادئة. وها هو القرار الذي غيّر تاريخ كركوك يطرأ على بال صدّام، هذه المدينة العقبة التي تقف بوجه السلام المنشود بين الاكراد والحكومات العراقية. عناد كردي على حقّهم في نفط كركوك، دفع بالحكومة الى الإعلان عن "حكم ذاتي" للأكراد وفق مقاس مختلف عن إتفاقية 1970. فقامت الحكومة بتغيير الحدود الإدارية لكركوك بشكل يضمن الغالبية العددِية للعرب فيها وأطلقت تسمية محافظة التأميم على المدينة ضـمن سياسة التعريب التي مارسها النظام السابق. وكثّف النظام الصدّامي حملاته لخنق الأكراد، لا بل خطّط لتوطين نصف مليون فلسطيني في كركوك، ليحلوا محلّ الأكراد والتركمان.

وسقط النظام

نيسان 2003، تمثال صدام يتهاوى في ساحة فردوس البغدادية وسكّان شمال العراق ينتزعون الخوف المتجذّر في نفوسهم. أطفال يجرون القطع البرونزية في الطرقات بعد أن نقل أهلهم لهم عمق الجراحات التي حفرها النظام البعثي في نفوسهم. أكراد وجدوا الفرصة سانحة لمطالبتهم مجدداً بالإنفصال عن الدولة العراقية وضمّ كركوك الى كردستان. وتحوّلت المطالبة الى حقيقة عندما تقدّم ممثلو الأكراد الخمسة في مجلس الحكم العراقي بمشروع قانون ينص على إنشاء اتحاد فدرالي في العراق بحيث تُضم فيه كركوك إلى المنطقة الكردية، وذلك دون انتظار حتى صياغة الدستور العراقي الجديد.

دستورية المطالبة

تنبه الدستور العراقي الى الأخطاء التي قام بها النظام البعثي من تهجير لسكّان بعض المحافظات وتغيير هويتها القومية، وإستقطاع مناطق منها وإلصاقها بأخرى بهدف تعديل التركيبة السكانية لتلك المحافظات. المادة 140، مادة دستورية تلزم الحكومة العراقية تطبيع و تصحيح الأوضاع في المحافظات و المناطق التي أضرّ بها نظام صدام حسين و إعادة الممتلكات المنهوبة والتعويض عن الاضرار المادية والمعنوية.
غير أنّ تواضع الجهد الذي يبذله ممثلو شعب كردستان في الحكومة العراقية المركزية وضعت قضية كركوك في أدراج الملفات المهملة، ما وضع مصير أركان المدينة على كفة عفريت بين سلام مرجوّ وفتيل نار الحرب الأهلية التي يمكن أن تندلع في أية لحظة.

الدول الكبرى

أطماع ومصالح وجدت لها أرضاً خصبة في مدينة التجاذبات السياسية. أزمة بدأت محلية وامتدت لتشمل الثلاثي الحدودي، إيران وتركيا وسورية. ضعف في الدولة المركزية فتح المجال أمام اشكال التدخل كلّها التي صبّت في خدمة المذاهب على حساب الكيان العراقي الشامل. موقف تركي صلب تجاه الأطماع الكردية في الانفصال بكركوك وتكوين دولتهم الكردية المستقلة شمال العراق حيث يغزو الخوف نفوس الأتراك من نجاح أكراد العراق في تكوين دولتهم. أمّا الدور الإيراني، فيبدو ملتبساً بين دعم الميليشيات الشيعية لإقامة الدولة الشيعية ورفض إنفصال كركوك وتكوين الدولة الكردية حرصاً على استقرار أراضيها وخوفها من تغذية الشعور لدى الأكراد الإيرانيين للمطالبة بتكوين دولتهم والاستقلال عن حكومة طهران المركزية. وتبقى الولايات المتحدة اللاعب الاساسي في العراق، والمعني الاول في إنفصال الأكراد.



ليست هناك تعليقات: