الثلاثاء، 27 مايو 2008

طبخة دولية في أتون الدرع الصاروخي

موقف حازم، وقف زرع الدرع الصاروخي عل حدود روسيا أو الإنسحاب من معاهدة الحد من الاسلحة
النووية متوسطة المدى. مفاوضات ضربت "عرض الحائط" والأمل بتعاون مستقبلي بين غريمي الماضي لم يلق إلا ردّاً موجعاً إتسم بالحذر والخوف المتبادلين بين دولتين لم تعرفا يوماً الثقة المتبادلة. جمرٌ تحت الرماد يرسم ملامح حرب قديمة – جديدة لا تلبث أن تنطفأ حتّى تشتعل من جديد.

الثنائية الدولية

إختلال في ميزان القوى النووية في القارة الأوروبية بدت ملامحه تنبعث من تصريحات ممثلي إمبراطورية الولايات المتحدة. عصر جديد من العلاقات الثنائية بين أعداء الماضي و"أصدقاء" الحاضر يعيد الى الأذهان ما لم تمحيه الأيام من غيرة متبادلة على نفوذ سياسيّ يلغي الشريك الآخر في النظام العالمي، ويعيد سلطة الثنائية الدولية التي لم يبزغ عنها إلا ويلات الدول وعذابات الشعوب. درع صاروخي متاخم لحدود العملاق المنهار الذي يسعى الى إعادة "الأيام الجميلة" من رماد إتحاد تفكّك ولم يبق منه إلا دويلات تهدّد الدولة الأم بفتح أراضيها للغريم الأميركي.
ضدّ من؟

إنعكاسات أمنية لنظام الدرع الأميركي المضاد للصواريخ (National Missile Defense ) تؤثر على التوازن الإستراتيجي بين الدول الكبرى، وخصوصاً بين الولايات المتحدة والصين وروسيا، طارحةً تساؤلات شائكة حول الهدفية من مواقع الصواريخ الإعتراضية. معاهدات دولية توضع في موقع الشكّ حول إنتشار الصواريخ البالستية وحظر الأسلحة النووية وتسريع سباق التسلّح وزعزعة التوازن الدولي عموماً والشرق الأوسط خصوصاً. والسؤال الذي يقضّ مضجع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليلاً والجواب ما زال غائباً عن باله هو هوية العدوّ الذي تنصب ضدّه هذه المواقع كلّها، ويأتيه الجواب سريعاً من الخارجية الأميركية "صواريخنا موّجهة ضدّ الدول المارقة أي إيران النووية وكوريا الشمالية، وهي بالتأكيد ليست موّجهة الى القوات الإستراتيجية الروسية". غير أنّ القلق لا يلبث أن يساوره من جديد حين يصرّح الخبير الأميركي في الأسلحة فيليب كويل الذي عمل في إدراة الرئيس الأميركي بيل كلينتون أنّه في حالة "إذا عملت روسيا على نصب صواريخ دفاعية في كندا أو كوبا، نحن في واشنطن سنقوم بمثل ذلك، أي الإقتراب أكثر فأكثر من حدودهم، وسنحيطهم بصواريخنا الدفاعية".

يوم مصيريّ

أوراق هزّت العالم، Fact sheet أو "نشرة الحقائق"، لم تنثني عن إثارة صراع العملاقين الروسي والأميركي. 18 نيسان 2007، يوم لن يمحى من ذاكرة الدول حين صدر قرار نشر الدرع الصاروخي بالقرب من الحدود الروسية. حقائق عن الحجم التقريبي لكل موقع صاروخ إعتراضي في بولندا ورادار تحديد الموقع في جمهورية التشيك الذي يصل الى 300 هكتار. جيش من الموّظفين العسكريين والمدنيين الذين ينتشرون في المواقع متحكمين بالأجهزة الإلكترونية التي ستزرع الخوف في الأراضي التي وقعت القرعة عليها بأن تكون جارة المشروع الأميركي. صواريخ إعتراضية تخزّن في المستودعات الأرضية في بولندا وقذائف يعتمد على طاقتها الحركية لتحطيم الرؤوس الحربية القادمة. نشرة ثبتت الحجج الأميركية حول الدرع الصاروخيّ الذي سيصدّ الهجمات المحتملة الواردة من إيران أو كوريا الشمالية، وفتحت أفقاً للتعاون مع روسيا التي لن تتوقف عن طرح أسئلة مزعجة للكيان الاميركي.
تدهور خطير

مناقشات روسية-أميركية إصطدمت بجدار تدهور العلاقة بين إدارة بوش المنهكة قبل سنة من نهاية ولايته وسلطة بوتين الذي يستعيد قواه لتطوير بلاده إقتصادياً وعسكرياً. خطر محدق حذّر منه وزير الدفاع الروسي سيرغي إيفانوف بدل التجاوب التي كانت تتمناه وزير الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، فلم تلق إلا برودة موروثة عن الحرب الباردة. وفي حين استهزأ بوتين بالخطر الايراني مقترحاً نشر الدرع الاميركية "فوق القمر" دعا لافروف واشنطن الى تعليق المشروع محذرا من ان موسكو ستعرقله اذا نشر. ولمّا تنصلّت رايس من مسؤولية سياستها في الوصول الى "القطوع" الروسي ملقية اللوم على "العوامل الخارجية"، توّحهت الى جبهة حقوق الانسان لتطلب مزيدا من الديمقراطية في روسيا غداة فشلها في حلحلة الخلاف بين واشنطن وموسكو حول مشروع الدرع الصاروخية الاميركية في اوروبا. طلب لم يلق الصدى الجيّد عند المسؤولين الروس الذين أصرّوا على موقفهم الرافض الذي لن يلين إلا إذا تغيّرت السياسة الأميركية الخارجية.
آراء متناقضة

دولتان من الكتلة الشرقية، أعلنتا إنتمائهما الى حلف الشمال الأطلسي أو "الناتو" فشرّعت أرضيهما للمشاريع الغربية التي وجدت فيهما أرضاً خصبة للتحرّش بروسيا. درع صاروخيّ سيتمركز على ترابهما ويهدّد علاقتهما بجارتهما التي باتت أكثر ما تخاف من طعنة الأقارب. غالبية البولنديين يعارضون نشر الدرع الأميركي المضاد للصواريخ في بلادهم التي يمكن أن تصبح عرضة لهجمات إرهابية، بينما القرار السياسيّ البولندي في وادٍ آخر حيث أعلن رئيس وزراء بولندا رضاه عن الدرع وحظي المشروع بعم قوي من رئيس الجمهورية البولندي ليخ كازينسكي. أمّا تشيكيا فهي متورطة دائماً في الطبخ الأميركي بما في ذلك سلاح الدمار الشامل، فبينما يطالب زعيم الحزب الإشتراكي المعارض جيري باروبك بتنظيم إستفتاء حول محطة الرادار التي تنوي الولايات المتحدة إقامتها في تشيكيا، يرى رئيس الوزارء ميرك توبولانك أنّ المخاوف الروسية غير عقلانية، وأنّ الدرع سيستخدم في إطار قوات الحلف الأطلسي.
الأمل الأخير

بصيص حلّ يحاول أن يولد من رحم الصراع الأميركي – الروسي تمثلّ بإقتراح الرئيس بوتين المشاركة في الإستخدام العسكري الأميركي لمحطة الرادار الاذرية في أذربيجان كجزء من خطة مضادة لخطط واشنطن الخاصة بتحديد أماكن مواقع الدرع الدفاعي الصاروخي في تشيكيا وبولندا. ومحطة "قابالا" السوفياتية الأصل تقع في شمال شرق أذربيجان، على مسافة 200 كم من حدود إيران. غير أنّ الردّ الأميركي أتى مخالفاً للآمال المعقودة عليه حيث سارع الرئيس الأميركي جورج بوش بالقول "إن الاقتراح جيد لكن الإدارة الأميركية تشدّد على أن هذه القضية منفصلة عن منظومتها الدفاعية الصاروخية في أوروبا". إستراتيجة التعاون لم تستطع فتح أبواب الحوار بين معسكري الشرق والغرب والنظام الموّحد للدفاع ما زال حلماً يراود الزعماء الطامحين لإرساء أسس السلام في منطقة لا تعرف إلا الهزات. وطوق النجاة من حروب جديدة تؤسس لها الدول العظمى ما زال مدفوناً تحت تراب الاحقاد والخوف المتبادل.

ليست هناك تعليقات: